قال الغلاييني رحمه الله أفعالُ اليقين، التي تنصبُ مفعولين، ستةٌ
:
الأولُ: "رأى" - بمعنى "علم واعتقد" - كقول الشاعر:
* رأيتُ اللهَ أكبرَ كلِّ شيءٍ * مُحاولةً، وأكثرَهمْ جنودا*
ولا فرقَ أن يكون اليقينُ بحسب الواقع، أو بحسب الاعتقاد الجازم، وإِن خالفَ الواقع، لأنه يقينٌ بالنسبة إلى المعتَقد. وقد اجتمع الأمران في قوله تعالى: "إنهم يرَوْنهُ بعيداً ونراهُ قريبا" أي: إنهم يعتقدون أن البعثِ مُمتنعٌ، ونعلمُه واقعا. وإِنما فُسّرَ البُعدُ بالامتناع، لأن العرب تستعملُ البعدَ في الانتفاء، والقُرب فى الحُصول.
ومثل: "رأى" اليقينيَّة (أي: التي تفيد اليقينَ) "رأى" الحُلميَّةُ، التي مصدرُها "الرّؤْيا" المناميَّةُ، فهي تنصب مفعولين، لأنها مثلها من حيثُ الادراكُ بالحِسّ الباطن؛ قال تعالى: {إني أراني أعصرُ خمراً} فالمفعولُ الأَولُ ياء المتكلم، والمفعول الثاني جملةُ أعصرُ خمراً.
(فان كانت "رأى" بصرية، أي بمعنى "أبصر ورأى بعينه"، فهي متعدية الى مفعول واحد. وان كانت بمعنى "اصابة الرئة" مثل "ضربه فرآه"، أي: أصاب رئته، تعدّتْ الى مفعول واحد ايضا)
.
و
الثاني "عَلَم" - بمعنى "اعتقدَ" - كقوله تعالى: "فإن علِمتموهنَّ مُؤْمناتٍ"، وقول الشاعر:
* عَلِمْتُكَ مَنّاناً، فلَسْتُ بآمِلٍ * نَداكَ، ولو ظَمْآنَ، غَرْثانَ، عاريا*
وقولِ الآخر:
*عَلِمْتُكَ الباذلَ المعروفِ فانبعَثَتْ * إِليكَ بي واجفاتْ الشوق والأَملِ*
(فان كانت بمعنى "عرف" كانت متعدية الى واحد، مثل: "عملت الامر"، أي: عرفته، ومنه قوله تعالى: {والله اخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا} وان كانت بمعنى "شعر واحاط وادرك"، تعدت الى مفعول واحد بنفهسا او بالباء مثل: "علمت الشيء وبالشيء"
.
و
الثالث "دَرَى" - بمعنى "عَلِم عِلمَ اعتقاد" كقول الشاعر:
*دُرِيتَ الوَفِيَّ العهدِ يا عَمْرُو، فاغتَبطْ، * فإنَّ اغتِباطاً بالوَفاءِ حميدٌّ*
والكثير المُستعمل يها أن تَتعدّى إلى واحد بالباء، مثل: "دريت به".
(فان كانت بمعنى "ختل" أي: خدع، كانت متعدية الى واحد بنفسها، مثل: "دريت الصيد" أي: ختلته وخدعته. وان كانت بمعنى "حَكّ" مثل: "درى رأسه بالمدرى"، أي حكه به، فهي كذلك).
و
الرابع: "تَعَلّمْ - بمعنى "اعلمْ واعتقِدْ" كقول الشاعر:
*تَعَلَّمْ شفاءَ النَّفسِ قَهرَ عَدُوِّها * فَبالِغْ بِلُطْفٍ في التَّحيُّلِ والْمَكْرِ*
والكثيرُ المشهور استعمالُها في "أنْ" وصِلَتها؛ كقول الشاعر:
*تَعَلَّمْ أَنَّ خيرَ النّاسِ مَيْتٌ * على جفْرِ الهَباءَةِ لا يَرِيمُ*
وقال الآخر:
فَقُلْتُ: تَعلَّمْ أَنَّ لِلصَّيْدِ عِرَّةَ * وإِلاَّ تُضَيِّعْها فإِنَّكَ قاتِلُه*
وفي حديث الدّجالِ: "تَعلّموا أنّ رَبكم ليس بأعورَ".
وتكون "أن" وصِلَتُهما حينئذٍ قد سَدّتا مَسَدّ المفعولين.
(فان كانت أمراً من "تعلم يتعلم"، فهي متعدية الى مفعول واحد، مثل "تعلموا العربية وعلموها الناس").
و
الخامس: "وجد" - بمعنى "عَلِمَ واعتقد" - ومصدرها "الوُجودُ والوجدان"، مثل: "وجدتُ الصدقَ زينةَ العُقلاء"، قال تعالى: {وإِنْ وجدْنا أكثرهم لفاسقين}.
(فان لم تكن بمعنى العلم الاعتقادي، لم تكن من هذا الباب. وذلك مثل: "وجدت الكتاب وجوداً ووجدانا" بكسر الواو فى الوجدان - أى: اصبته وظفرت به بعد ضياعه. ومثل: "زجد عليه موجدة" - بفتح الميم وسكون الواو وكسر الجيم - اي: حقد عليه وغضب. وفي حديث: الايمان "اني سائلك فلا تجد عليّ"، أي: لا تغضب من سؤالي. ومثل: "وجد به وجداً" - بفتح الواو وسكون الجيم - اي: حزن به، و "وجد به وجداً ايضا" اي: احبه، يقال: "له بأصحابه وجد"، أي: محبة. وثل: "وجد جدة" بكسر الجيم وفتح الدال - اي: استغنى غنى يأمن بعده الفقر).
و
السادسُ: "ألفى: - بمعنى "علِمَ واعتقد" -: مثل "الفَيْتُ قولكَ صواباً".
(فان كانت بمعنى "اصاب الشيء وظفر به"، كانت متعدية إلى واحد، "الفيت الكتاب"، قال تعالى: "وألفيا سيدها لدى الباب").
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق